علوم الأحياء والزراعة

ماء مهين وقرار المكين: البراهين العلمية فى قوله تعالى: ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين

أ.د. حنفي مدبولي

المجلة الأكاديمية للإعجاز العلمي, المجلد 46، العدد 1 (1446)

ملخص البحث

جاء جعل النطفة في قرار مكين في سورتين من القرآن العظيم قال تعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13]، ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (21) ﴾ [سورة المرسلات]. وجاء ﴿مَّاء مَّهِينٍ﴾ في آيتين الأولى ﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ﴾ [سورة السجدة] والثانية ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ (20) ﴾ [سورة المرسلات]. وبالجمع بين هاتين الآيتين يتضح لنا أن النسل يكون من الماء المهين الذي يحتوي النطاف والتي بدورها تحتوي الصبغيات والجينات المتموضعة على الحمض النووي الذي عليه تسلسل الجينات التي تؤدي إلى الصفات الوراثية للجنس البشري. وهذه النطاف جعل الله لها قرارا مكينا لحفظها لكي تستمر الخلافة في الأرض. وهذه الآيات الكريمة تتكلم عن النطفة وهي من الماء وجاءت النطفة في سياق النص نكرة تفيد استقرارها وتمكنها لذاتها وليس لغيرها. والقرار في الأصل: مصدر قَرّ إذا ثبت في مكانه وهو كل مطمئن اندفع إِليه الماء فاستقَرّ فيه، وقيل هو من القَرارِ وهو الهُدُوءُ، وأَقَرَّ أَي سكن وانقاد كما بين علماء اللغة.. وأما ﴿ مكين ﴾ فإنها تعني التمكن من الشيء الثابت في المكان بحيث لا يقلع من مكانه. وسُميت النطفة نطفة لأنها تنطُف أي تقطر.. وقال علماء اللغة والتفسير أن الجعل غير الخلق والجعل بمعنى الصيرورة أي صيرناه. والضمير في ﴿ جَعَلْنَاهُ ﴾ في الآية من سورة المؤمنون عائد إلى جنس الإنسان الأول والذي خلق من الطين هو آدم عليه السلام. ويستقيم الكلام عن ذرية آدم عليه السلام وهي من جنسه ويبين ذلك قوله تعالى ﴿ ثم ﴾ الدالة على التراخي والفترة الزمنية بين آدم وأول ذرية منه وقوله تعالى: ﴿ جَعَلْنَاهُ ﴾ أي جعلنا الصفات الوراثية لهذا الإنسان في نطفة وجعلنا هذه النطفة في قرار مكين ولو لم يجعل الله عز وجل هذه الصفات الوراثية لآدم عليه السلام ولحواء عليها السلام في نطافهما لاندثر الجنس البشري بموتهما، ولكن شاءت قدرة العليم الخبير أن تستمر خلافة هذا الإنسان في الأرض بجعل صفاته الوراثية في هذه النطاف. وال ﴿ مَّاء مَّهِينٍ ﴾ كما في سورة المرسلات أجمع عليه أهل التفسير أنه النطاف والضمير في ﴿ فَجَعَلْنَاهُ ﴾ عائد إلى الماء المهين دون خلاف بين العلماء. والنطاف هي التي تحمل صفات الإنسان الأول آدم عليه السلام واستودعها الله في ذريته من بعده كما قرر ربنا في سورة السجدة ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ﴾. والماء المهين هو ماء المرأة وماء الرجل وسياق هذه الآيات من سور المؤمنون والمرسلات والسجدة تدل على ذلك. وأثبتت الدراسات العلمية وباجماع علماء الأجنة أن تخلق الأعضاء على هيئة براعم ونتوءات organogenesis يبدأ من المضغة. وبالتحقيق العلمى يكون الجعل للنطاف في قرارها المكين (الخصيتين أو المبيضين) بينما تخلق الجنين يكون من المضغة ويكون في الرحم إلى أجل مسمى وهو مدة الحمل كما قضى ربنا عز وجل ﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى (5) ﴾ [سورة الحج] ولا يقدر على ذلك إلا رب العزة سبحانه وتعالى. وتهاجر الخلايا الجنسية الأولية من موضع نشأتها من بين الصلب والترائب في المرحلة الجنينية إلى كيس الصفن لكي تستقر وتتمكن من تكوين النطاف عند البلوغ وحتى الشيخوخة وهذا ما يشير إليه المعنى اللغوي (للقرار المكين). وتكوين مكونات السائل المنوي وهو من الماء وحفظه في البربخ وهو بمثابة القارورة له، حتى وقت خروجه وتدفقه عبر الوعاء الناقل كل هذا من باب القرار المكين لهذه النطاف. وتصبح الخصيتين وملحقاتهما من البروستاتا وكيس الصفن وغدة كوبر والغدد التناسلية وما تفرزه من هرمونات جنسية قرارا مكينا لاستقبال الخلايا التناسلية الأولية بعد هجرتها لتتمكن من تكوين النطاف المنوية. وينطبق الحال على نطفة المرأة فإنها في المبيض وهو قرار مكين مكنه الله عز وجل لاستقبال الخلايا الجنسية الأولية بعد هجرتها من الحدبة التناسلية التى توضعت بين الصلب والترائب، ثم يقوم المبيض بتكوين البويضات طيلة حياة الأنثى من مرحلة الجنين حتى مرحلة العجز. والأنثى تولد وفي مبيضها 30000 ألف بويضة ممكنة فيه. والمبيض عند البلوغ يحتوي 300 – 400 بويضة وتخرج كل شهر منه بويضة ويكون الباقي مستقرا في قراره المكين في المبيض. وعند مقارنة مدة مكث الجنين في الرحم (من 6 – 9 أشهر) ومدة تكوين ومكث النطاف الذكرية والأنثوية طيلة حياة الذكر والأنثى من مرحلة تكوين الجنين إلى مرحلة البلوغ حتى سن الشيخوخة لدى الرجال أو العجز عند النساء نجد تحقيق معنى قرار مكين للنطاف في الخصيتين أو المبيضين أقرب من الرحم الذي لم يصفه ربنا بقرار مكين. ويكون الرحم هنا مقر مؤقت لحمل الجنين بعد تخلقه من المضغة وليس بمكينا لأنه قد يحدث الإجهاض في أي لحظة. والكلام في هذه الآيات عن الماء المهين وعن النطفة ذاتها وليس عن الجنين أو الحمل فتأويل النص على غير ظاهره لا يكون إلا بقرينة والأخذ بظاهر النص أولى من تأويله. وتشير الحقائق العلمية: أن كلا من الخصيتين والمبيضين قرارا مكينا للماء المهين وهو النطاف وبذلك تستقيم الحقيقة العلمية مع وجه الإعجاز فى الآية الكريمة ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ حيث أن النطاف مستقرة وممكنة في مكان تكوينها. والآية من سورة السجدة غاية في الدقة والروعة حيث وصف الله عز وجل الماء الذى تتخلق منه الذرية بأنه مهين أي ضعيف ومع ذلك فقد تم حفظه واستقراره في قرار مكين ليتحقق نبأ الخلافة فى الأرض من قوله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (30) ﴾ [سورة البقرة].\r\n\r\n

الكلمات المفتاحية

قرار مكيننطفةالبويضاتالمنوياتالخصيتانالمبيضانالرحماإلجهاضمدة الحملالسقط
كيفية الاقتباس

أ.د. حنفي مدبولي (1446). "ماء مهين وقرار المكين: البراهين العلمية فى قوله تعالى: ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين". المجلة الأكاديمية للإعجاز العلمي, عدد:46(1). DOI:10.19138/ejaz.46.1